وسيم السيسي: السيرة، الفكر، والإسهامات العلمية والتاريخية

يُعد الدكتور وسيم السيسي واحدًا من أبرز الشخصيات الثقافية والعلمية في مصر والعالم العربي، لما له من إسهامات فكرية عميقة في مجالات متعددة، وعلى رأسها التاريخ الفرعوني، والفكر الإنساني، والحضارة المصرية القديمة. جمع بين مهنة الطب والتخصص في جراحة المسالك البولية، وبين شغفه العميق بالتاريخ والفلسفة واللغات القديمة، مما جعله نموذجًا نادرًا للمثقف الموسوعي الذي يجمع بين العلم والدقة، والرؤية الحضارية المتجذرة في الهوية المصرية.

ينتمي الدكتور وسيم السيسي إلى المدرسة التنويرية التي تسعى لإعادة الاعتبار للحضارة المصرية القديمة كمصدر للإلهام والنهضة، ويُعرف بقدرته على الربط بين الماضي والحاضر عبر قراءة نقدية وتحليلية للنصوص التاريخية والأساطير الفرعونية، مبرزًا البعد الإنساني والفلسفي فيها، بعيدًا عن السرد التقليدي السطحي.

النشأة والتكوين العلمي

وُلد وسيم السيسي في مصر، وتخرج في كلية الطب بجامعة القاهرة، حيث تخصّص في جراحة المسالك البولية. وقد عمل في بداية حياته في المستشفيات التعليمية التابعة لوزارة الصحة المصرية، ثم انتقل إلى عدة مراكز طبية داخل وخارج البلاد، وذاع صيته كأحد الأطباء الأكفاء في مجاله. لكن شغفه لم يتوقف عند حدود الطب، إذ انكب منذ سنوات دراسته الجامعية على قراءة التاريخ المصري القديم، والفلسفة، واللغات القديمة، وخاصة الهيروغليفية، التي أتقنها لاحقًا ليصبح أحد أهم المحاضرين والباحثين في هذا المجال.

كان لوسيم السيسي حضور مكثف في المؤتمرات العلمية، وندوات الحوار الثقافي، سواء في الداخل المصري أو في الدول العربية والغربية. وقد نجح في نقل التراث المصري القديم من سياقه التاريخي الجامد إلى سياق ثقافي وفكري حي، يُخاطب الحاضر ويتفاعل مع قضاياه.

فلسفة وسيم السيسي: رؤية إنسانية معاصرة لجذور الحضارة

تقوم رؤية الدكتور وسيم السيسي على تفكيك الصورة النمطية التي ارتبطت بالحضارة الفرعونية في العقل الجمعي العربي، تلك الصورة التي غالبًا ما اختزلت الفراعنة في السحر والخرافات والطقوس الغامضة. فقد حرص عبر كتاباته ومحاضراته على إعادة اكتشاف العمق الإنساني والفكري في هذه الحضارة، مؤكّدًا أن المصري القديم كان سابقًا لعصره في كثير من مفاهيم العدالة، والديمقراطية، والتنظيم الاجتماعي، والاهتمام بالعلم والتعليم والطب.

يرى السيسي أن الحضارة المصرية القديمة لم تكن وثنية كما يصوّرها البعض، بل كانت ذات نزعة توحيدية، يظهر ذلك جليًا في العقائد الدينية المتعددة التي اتخذت رموزًا وشخصيات أسطورية لكنها كانت تعبيرًا عن مفاهيم وجودية مثل الخير والشر، النظام والفوضى، النور والظلمة.

إسهاماته في كشف زيف الاستشراق وتاريخية الهوية

من أبرز ما يميز أطروحات الدكتور وسيم السيسي هو انتقاده الشديد لما يُعرف بالاستشراق الكلاسيكي، الذي قام بتشويه صورة الحضارات الشرقية، وخصوصًا الحضارة المصرية القديمة. وقد دأب السيسي في مؤلفاته على تفنيد الكثير من الادعاءات الغربية التي روجت لفكرة أن مصر القديمة لم تكن على مستوى عالٍ من الفكر والوعي والتمدن.

يرى السيسي أن المستشرقين تعمّدوا تصوير المصري القديم على أنه مجرد كائن غارق في الأسطورة، عاجز عن التفكير العقلاني، وأن هذا الخطاب تماشى مع أهداف استعمارية كانت تهدف إلى طمس الهوية الثقافية لمصر وإلحاقها بالهوية الغربية. ولذا، كانت إسهاماته بمنزلة تصحيح علمي وتاريخي للروايات المغلوطة التي تداولتها كتب التاريخ طويلاً دون تمحيص.

أعماله وكتاباته

ألّف الدكتور وسيم السيسي عددًا من الكتب المهمة التي تناولت الفكر المصري القديم بلغة علمية وتحليلية. من أبرز كتبه:

• مصر التي لا تعرفونها: كتاب يجمع بين المعلومات التاريخية الموثقة والتحليل الثقافي للحضارة المصرية، ويكشف الكثير من الجوانب التي تم تغييبها عمدًا في مناهج التعليم والإعلام.

• كليوباترا بين الحقيقة والأسطورة: دراسة تاريخية تفكيكية للشخصية الأسطورية الأشهر في التاريخ المصري القديم، بعيدًا عن الروايات السينمائية والخيالية.

• العقل المصري القديم: كتاب يعرض للنظرة العقلية والفكرية للمصريين القدماء، ويكشف عن مناحي الفكر الفلسفي والعلمي لديهم.

• الشفرة الفرعونية: عمل فريد يتناول الرمزية الدينية والفكرية في اللغة الهيروغليفية، ويوضح كيف كانت تلك الرموز تعكس مفاهيم فلسفية عميقة تتعلق بالوجود والمعرفة.

حضور إعلامي مؤثر

عرف الجمهور الدكتور وسيم السيسي من خلال مشاركاته الكثيرة في البرامج الثقافية والعلمية على القنوات المصرية والعربية، حيث تميز أسلوبه بالوضوح والربط العميق بين الماضي والحاضر. ساهم حضوره الإعلامي في نشر الوعي بالتاريخ المصري القديم بطريقة تتجاوز المناهج التقليدية الجامدة، خاصة وأنه يمتلك قدرة نادرة على تبسيط الأفكار المعقدة دون الإخلال بعمقها.

لم يكن ظهوره الإعلامي مجرد تقديم معلومات، بل كان يحمل دائمًا رسالة حضارية تؤكد أن مصر الحديثة لا يمكن أن تنفصل عن جذورها الفرعونية، وأن النهوض لا يأتي إلا بالعودة إلى الذات الحضارية وليس بنقل نماذج جاهزة من الخارج.

الدفاع عن الهوية المصرية والرفض القاطع للتمييع الثقافي

من الثوابت الأساسية في فكر وسيم السيسي تأكيده على أهمية الهوية الثقافية المصرية، التي يعتبرها الأساس في بناء الإنسان المصري المعاصر. وهو يرفض بشدة أي خطاب يُحاول تقزيم الحضارة المصرية أو التقليل من شأنها بدعوى الحداثة أو الانفتاح على العالم. ويرى أن الأصالة والانفتاح لا يتعارضان، بل إن الانفتاح الحقيقي لا يكون إلا من موقع القوة والاعتزاز بالذات.

دعا السيسي مرارًا إلى ضرورة تدريس التاريخ المصري القديم بطريقة جديدة في المدارس والجامعات، بحيث يتم ربطه بالواقع وتفعيله في الحياة العامة، وليس فقط كمسار تعليمي جامد. كما انتقد تهميش مادة الفلسفة والتاريخ في مناهج التعليم، مؤكدًا أن الأمم لا تنهض بالعلوم التجريبية فقط، بل تحتاج إلى وعي فلسفي عميق بهويتها وتاريخها.

موقفه من الدين والعلم: رؤية عقلانية متنورة

لم يكن وسيم السيسي من أولئك الذين يضعون الدين في مواجهة العلم، بل كان يرى أن العلم الحقيقي لا يتعارض مع الإيمان، وأن الحضارات القديمة ومنها المصرية كان لها نظرة فلسفية وعلمية متكاملة تجاه الوجود. وأكد في أكثر من مناسبة أن المصري القديم كان مؤمنًا بوجود خالق أعلى، وأن فكرة التوحيد سبقت الأديان الإبراهيمية في مصر القديمة، كما تجلى في عقيدة “آتون” في عهد أخناتون.

لكن في الوقت ذاته، كان يرفض تسييس الدين أو استغلاله لأهداف غير دينية، ويدعو إلى علمانية الدولة بمعناها الحضاري الإيجابي الذي يضمن الحرية والعدالة والمساواة لجميع المواطنين.

وسيم السيسي والطموح لمشروع نهضوي مصري

ربط السيسي دومًا بين استعادة التاريخ وبين بناء مشروع نهضوي مصري حديث. فهو يرى أن مصر ليست بحاجة إلى استيراد نماذج تنموية من الخارج بقدر حاجتها إلى استلهام نموذجها الحضاري من الداخل. وقد قدّم في أكثر من عمل ورؤية فكرة مشروع نهضوي متكامل قائم على إعادة بناء الإنسان المصري ثقافيًا وفكريًا قبل أي بناء مادي أو اقتصادي.

ومن بين مقترحاته الشهيرة:

• إنشاء مراكز بحثية متخصصة لدراسة الحضارة المصرية من منظور داخلي لا استشراقي.

• تطوير المناهج التعليمية لتشمل رموز ومفاهيم الفلسفة المصرية القديمة.

• دعم الإنتاج الثقافي والفني المستلهم من الحضارة المصرية.

• تفعيل دور الإعلام في نشر الوعي التاريخي والهوية الحضارية.

الجدول التالي يلخص أبرز إسهامات الدكتور وسيم السيسي:

الخاتمة

يمثل الدكتور وسيم السيسي واحدًا من النماذج الفريدة في العالم العربي التي جمعت بين التخصص العلمي الدقيق والرؤية الفكرية الواسعة، وهو صوت من الأصوات التي تسعى إلى بعث الوعي الحضاري والانفتاح الإنساني في مجتمع يعاني من التحديات الفكرية والثقافية. لقد ساهم عبر مسيرته الطويلة في إعادة الاعتبار للحضارة المصرية، وفي تفكيك الخطابات الغربية المشوهة لها، وفي الدعوة إلى نهضة قائمة على العلم والوعي بالذات. إن فكره وإنتاجه لا ينتميان فقط إلى مجال التاريخ، بل إلى معركة الوعي التي لا تقل أهمية عن أي معركة سياسية أو اقتصادية.

المصادر:

1. كتاب: مصر التي لا تعرفونها، وسيم السيسي، دار العين للنشر.

2. برنامج “العاشرة مساءً” – حلقات متعددة مع الدكتور وسيم السيسي على القنوات المصرية.